ما أسعد أناس عاشوا في زمان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما أحسبنا إلا أننا نتنفس على مَنْ أبصروا النور الذي يشع من سيد خلق الله، صلى الله عليه وسلم.. فما أحسن حظهم.. بأبي وأمي إنها لنعمة لا تضاهيها كنوز الدنيا بأسرها. وهل نتشوق إلى الآخرة إلا لأن فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟!

عُمير طفل أبوه بن أبي طلحة بن زيد، أخو الصحابي الجليل أنس بن مالك من أمه، أمهما أم سليم بنت ملحان، وقد توفي الطفل وهو دون الرابعة، على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

عمير والعصفور

وحدث أن زار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبيه أبا طلحة الأنصاري وأنس بن مالك في بيت أُمّ سُليم، فرأى رسول الله طفلا صغيرا جالسا على الأرض، وهو عُميْر، وكان عمره وقتها ثلاثة أعوام، في حضنه عصفورٌ صغيرٌ مريضٌ، تنهمر دموعه حزنًا على عصفوره.. 

فجاء رسول الله إليه وحضنه، وقال له: يا أبا عمير؛ ماذا فعل النُّغير؟، والنغير هو العصفور الصغير، فتبسم الطفل الصغير، لأن رسول الله لقبه كما يلقب الكبار، فقال له: أبا عمير، ولأن رسول الله سأله عن عصفوره، ولم يسأله أحدٌ عنه قبله.
 

وبعد أيام جاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أم سليم مرة أخرى وطرق الباب، ففتح أنس بن مالك الباب، فدخل رسول الله وتوجه إلى عمير، وسأله بحنان: يا أبا عمير ما فعل النغير؟، فرمى أبو عمير بنفسه في حضن رسول الله وهو يبكي، ويقول: لقد مات النغير.. لقد مات النغير.. فأخذ النبي، صلى الله عليه وسلم، يواسيه.

 

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنُ الناس خلقًا

قال أنس بن مالك، رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنُ الناس خلقًا، وكان لي أخٌ من الأم لأبي طلحة، غلام يقال له عمير، معه عصفور يلعب به، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يغشاهم في منزلهم ويجلس، وربما صلى في بيتهم، فكان الصبي هذا يلعب بالعصفور، فمات العصفور.. 

فجاء النبي فرأى هذا الغلام حزينا مكتئبا لموت طيره أو عصفوره، فقال له صلى الله عليه وسلم: يا أبا عمير ما فعل النغير، وظل يلاطفه بهذه العبارات الرقيقة، ويكنيه يا أبا عمير حتى يزيل عنه حزن فراق عصفوره.

 

وتقول تفاصيل الفصل الثاني من هذه القصة إنه قبل أن يبلغ عمير الرابعة من عمره مرض مرضا شديدا، وكان أبوه يحبه حبا عظيما، لأنه كان غلاما صبيحا جميلا، حلو المعاشرة ذكيا، وقلق من أجله.

وفي يوم، دخل أبو طلحة البيت، وكالعادة سأل زوجته أم سليم: ما شأن الصبي؟ قالت: هو أسكن ما كان، أي: ساكنٌ لا يبكي. فاستأنس لذلك أبو طلحة، وقربت إليه تمرا، فأكل ثم تجملت له، وأصاب منها فلما انتهى منها، قالت له: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن جيراننا أعطونا شيئًا عارية أي أمانة، ثم استردوها، هل كان في ذلك شيء، قال: لا، فقالت: إن الله تعالى قد قبض روح هذا الصبي.. 

 

 

فانزعج، فلما كان الصباح ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره بالخبر، فسُرَّ رسولُ الله، وقال: أعرستم الليلة؟، قال: نعم، فدعا لهما النبي، صلى الله عليه وسلم، بالبركة، فوُلد لهما غلامٌ، فجاء به إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فسماه عبدَ الله، ودعا له، قال أنس بن مالك: فلقد رأيتُ من ولده كذا من الولد كلُّهم حفظوا القرآنَ الكريمَ ببركةِ دعاءِ النبيِّ له.